هل فهمنا وأحسسنا بفيض الدموع الذى غمر حدقات علماء «ناسا» وهم يحتضنون بعضهم بعضا فرحاً بهبوط المركبة الفضائية «CURIOSITY» على كوكب المريخ؟، مشهد تاريخى لا تستطيع أمامه إلا أن تنحنى لهؤلاء فى هذه اللحظة الصوفية الشفافة التى عاشوها بعد ترقب ولهفة، علماء يقفزون فى طفولة، يحتضن ذو الأصل الصينى أخاه الهندى الأصل تحت قيادة اللبنانى الأصل شارل العشى!، ذابت الأعراق والأديان والأجناس والصراعات والأحقاد فى بوتقة العلم حيث ينصهر حقد الماضى لصناعة حلم المستقبل.

5000 عالم ومهندس فى مختبر الدفع النفاث فى وكالة الفضاء الأمريكية «وكالة الطيران والفضاء الأمريكية» (ناسا)، سبع دقائق من الرعب حتى هبط المسبار كيوريوسيتى استخدم خلالها نظاماً آلياً هو الأول من نوعه لدخول الغلاف الجوى للحد من سرعته التى كانت تبلغ 20 ألف كيلومتر فى الساعة لتمكين إطاراته من الهبوط بهدوء، مسافة الرحلة 570 مليون كيلومتر ومدتها أكثر من 8 شهور، بعد لحظات من هبوطه، بث أول ثلاث صور من سطح المريخ تظهر إحداها عجلة المركبة وصورة أخرى لظل المسبار على الأرضية الصخرية، تكلفة الرحلة اثنان ونصف مليار دولار، وزن المسبار حوالى طن، انطلق من قاعدة كيب كنافيرال فى فلوريدا يوم 26 تشرين الثانى (نوفمبر) وهو مزود بمجموعة من المعدات المتقدمة القادرة على تحليل عينات التربة والصخور والغلاف الجوى على الفور وإرسال النتائج إلى الأرض ومنها جهاز لأشعة الليزر بإمكانه تهشيم الصخور للتعرف على مكوناتها، وسيمضى عامين فى استكشاف فوهة جبل تقع قرب خط الاستواء للكوكب فى النصف الجنوبى منه وجبل ارتفاعه خمسة كيلومترات يتكون مما يبدو أنها ترسيبات منبثقة من جوف الفوهة، كل هذه الأرقام المدهشة للإجابة عن سؤال واحد وهو: هل من الممكن أن تصنع حياة على المريخ؟

اسم المسبار أو المركبة الفضائية هو «فضول»، الاسم له دلالة، الفضول هو سر التقدم العلمى، والفضول مناخ وليس سلوكاً منفرداً، فمجتمع يشجع الفضول سيتقدم، ومجتمع يغتال الفضول تحت أى شعار هو مجتمع متخلف، علامة الاستفهام لا بد أن تظل مشتعلة لا يطفئها أى عابر سبيل وينفخ فيها بدعوى العيب أو الحرام أو الممنوع، الطفل الذى نقتل فضوله فى الأسرة أو المدرسة ونعاقبه بطابور الذنب أو سن المسطرة؛ لأنه تجرأ وسأل وخالف منهج الوزارة أو كلام «الميس» أو «المستر» أو شيخ الكتاب، هو طفل خائف مرتعش لن يصنع مستقبلاً، فضلاً عن أنه لن يعيش حاضراً بل سيظل أسير شرنقة الماضى حتى يموت اختناقاً.

سفينة الفضول التى قادت أمريكا إلى المريخ على الرغم من خفض ميزانية «ناسا» تصنع التاريخ كما قال عنها أوباما، فالتاريخ لا يصنعه القتلة الإرهابيون عبدة الماضى أعداء الحياة وإنما يصنعه العلماء الذين يمجدون الحياة ويعرفون جيداً أنها تستحق أن تعاش.